لاشك أن فهم سارتر للصورة الخيالية على هذا النحو السابق يشكل أهمية خاصة بالنسبة للإبداع اليوتوبى، ويمكن لنا أن نتلمس فى إهابته بالبعد النافى أو السالب للخيال قيمة إيجابية مؤداها : أن التخيل هو قوة فعل وإبداع، قوة تستهدف خلق موضوعاتها فى استقلال عن عالم الوقائع والأشياء القائمة. لكننا نأخذ على سارتر مغالاته فى ربط التخيل بالعدم، وربما يمكن تبرير ذلك برغبة سارتر العارمة فى تنقية الوعى الإنسانى من كافة دروب الخضوع والعبودية، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بعبودية الأشياء! ولكن يبدو أن أصرار سارتر على منح الوعى أقصى درجات الحرية أدى به إلى أن يتطرف فى الاتجاه المضاد، أعنى الاتجاه التجريبى الذى انتقده سارتر فى كتابه «التخيل». فإذا كان الفلاسفة التجريبيون قد جعلوا الصورة مجرد صدى باهت للانطباع الحسى وأهملوا دور الوعى الإنسانى فى خلق الصورة. فإن سارتر قد فعل العكس تماماً، أعنى أنه ضحى بالصورة على مذبح الوعى وجعلها مجرد حالة من حالات الوعى، أنها مجرد خلق للوعى، وبالتالى فقد ظن أنه حرر الصورة من أصلها الحسى، لكن الواقع أنه حررها من أصلها الحسى كى يعيدها إلى سجن الوعى.
تعليقات المنتج